تصنيف مختلف للذنوب

HTML clipboard
تصنيف مختلف للذنوب


 

ورطة الذنوب
صوت فقط

 

تصنيف مختلف للذنوب


 
تصنف الذنوب تصنيفات مشهورة ومتعارف عليها ،فهناك الصغائر والكبائر و المعاصي والمكفرات،و هذا التصنيف مفيد ، والإنسان يتعلمه حتى يتجنب الأمور التي تغضب الله سبحانه وتعالى ، فيتبين له أن الزنا وشرب الخمر والربا وعقوق الوالدين وغيرها والغيبة والنميمة كبائر وذنوب عظيمة ومن ثم يحرص الإنسان على أن يتجنبها ويحرص كذلك على تجنب الذنوب المكفرة التي فيها شرك أو كفر .
 ولكن المقصود هنا شد الإنتباه إلى قواعد أخرى في النظر إلى الذنوب لا تلغي ذلك التصنيف بل تؤكده وتبني عليه، و من ضمن الآتي:
• أولاً: ثبت بالدليل وكما يقول العلماء رحمهم الله تعالى أن ترك الواجب من الفرائض المتفق عليها أعظم عند الله سبحانه وتعالى من فعل المحرم إذا كان معصية غير مكفرة، مما يعني أن ترك الصلاة أو ترك الصيام أو ترك الحج أو ترك الزكاة لمن وجبت عليه أعظم عند الله من الزنا ومن شرب الخمر ومن قتل النفس وأعظم من عقوق الوالدين وقطع الطريق، فإن كان الإنسان قاتلاً وقاطعاً للطريق و يصلي فهو أهون من ترك الصلاة ،مع العلم أن الصلاة يجب أن تكون ناهية عن المنكر ،لقوله تعالى :"إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"، ولكن ترك الواجب عند الله أعظم من فعل المحرم ،وهذه الحقيقة تغيب عن الناس كثيراً، فيتخيل الإنسان أنه ينزه نفسه دينياً بمجرد الانتهاء عن المحرمات، والحقيقة أنه لابد من فعل الواجبات خاصة الصلاة، لأن الصلاة هي العبادة الوحيدة التي نُص عليها صراحةً بأن من تركها فقد كفر، رغم أن الوعيد والتهديد كذلك شديد في العبادات الأخرى مثل الصوم والحج الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم :"من لم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً" ،إذن ترك الواجبات أعظم من فعل المحرمات والمعاصي.
• ثانياً: التسلسل في التعامل مع أي ذنب، فأي ذنب له ثلاث مراحل في التعامل معه وفقاً للمنهج الشرعي، فإنه ينبغي  إذا وقع فيه أحد ،والعياذ بالله، وقع فيه وهو يستحي من الله ويحس أنه ارتكب ذنباً أغضب الله وهو يحرص ويسعى لأجل أن يستغفر منه ويعزم على عدم العودة إليه، أو على الأقل ينظر للذنب على أنه مغضب لله ، هذا هو المنهج الشرعي في التعامل مع الذنب حتى لو كان كبيراً مثل الزنا وشرب الخمر وقتل النفس وغيره، فالإنسان يتوب منه ويحس أنه فعل أمراً عظيماً ويعزم على أن لا يعود حتى وإن تكرر هذا الذنب منه فهو مظنة الغفران، والله أعلم حيث وعد الله بذلك ،كما جاء في كثير من الآيات والأحاديث.
 إنما يخالف الإنسان طريقة التعامل الصحيح مع الذنب إذا بدأ يستهين بالذنب، فهي مصيبة مع الذنوب أخرى فيدخل في الخطر الشديد، ويحرم نفسه من فتح باب المغفرة والعياذ بالله.
وأسوأ من التساهل في الذنب هو المجاهرة به والتي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم :"كل أمتي معافىً إلا المجاهرون" ،فإذا كان الإنسان يقترف الذنب وهو مستتر ويتوب إلى الله ويشعر بالتقصير فهذا يعافيه الله ويتوب عليه ويستره، أما إذا كان مجاهراً فهو قد وضع نفسه في خطر عظيم جداً حيث لا يمكن أن يجاهر المرء إلا إن كان مستخفاً ومتساهلاً بالذنب، ومصيبة المجاهرة مصيبة جماعية ليست سهلةً لأن الأنسان إذا جاهر شجع غيره على المنكر ،وإذا كثر المجاهرون استمرأ الناس الذنب ،ومن هنا جاء النهي الشديد عن المجاهرة.
وأخطر أنواع التعامل مع الذنب هو استحلال الذنب ،فاذا استحل المرء امراً محرماً مقطوعاً بحرمته كفر، والعياذ بالله، لأن الذنب كالزنا أو شرب الخمر أو الربا أو غيره استحله الإنسان سواءً كان بينه وبين نفسه أو أعلن أنه حلال فهذا كفر لا شك فيه ،والاستحلال أنواع: إما أن تمارسه بطريقة تدل على أنك تعتقد أنه حلال مثلما يفعل الحكام الآن فيضعون أنظمة وقوانين تبيح الربا والزنا والمحرمات، فهذا بحد ذاته كفر، فالربا مثلاً فعله ليس بكفر، ولكن وضع القوانين التي تحل الربا كفر والتعامل مع البنوك بطريقة تجعل الربا جزءاً من الحياة، وبحيث يكون النظام الاقتصادي القائم على الربا كما لوكان هو النظام المقبول في الشرع ،فهو حينئذٍ يقترب من الاستحلال حتى لو لم يلفظها بلسانه.
فإذن خطورة الذنوب تبدأ من التساهل فيها ثم المجاهرة بها ثم استحلالها ،والعياذ بالله، واستحلالها يخرج المرء من الملة، فإذا كان اقترفت ذنباً حتى لو كان كبيراً واعترفت بالتقصير وتبت إلى الله سبحانه وتعالى وحاولت الابتعاد عنه فحتى لو تكرر منك الوقوع فيه ففرصتك في التوبة عالية جداً وتكاد تكون التوبة مضمونة من عند الله سبحانه وتعالى كما جاء في الآيات والاحاديث ،والعكس صحيح ،فإن كان الذنب صغيراً ولكنه مما ثبت ثبوتاً قطعياً أنه محرم فقد يخرج المرء بذلك من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر، والعياذ بالله.
هذه  النظرة هي التي تتمم تصنيف الذنوب إلى صغائر وكبائر و معاصي ومكفرات.