التيئيس بلاء الأنبياء

التيئيس بلاء الأنبياء 1/3


التيئيس بلاء الأنبياء 2/3


التيئيس بلاء الأنبياء 3/3


التيئيس بلاء الانبياء


 
جاء في الحديث الصحيح: "أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة ، اشتد بلاؤه ، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة". هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا ينطق عن الهوى ،فمادام الناس فيهم أفضل وأفضل فأفضل الناس هم الأنبياء، وأفضل الأنبياء أولي العزم وأفضل أولي العزم محمد صلى الله عليه وسلم ،وهو أفضل البشر قاطبة بل أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم ،ومن هو أفضل الناس أوأمثل الناس أليس محمداً صلى الله عليه وسلم ،وبناءً على هذا الحديث فبلاء محمد صلى الله عليه وسلم أشد أنواع البلاء
لكننا نعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعذب مثل بلال ولا عمار ولا عثمان ،فكيف يكون بلاؤه اعظم منهم؟ بل إن من المعلوم أن أنواع التعذيب او البلاء المختلفة مرت على الدعاة والأنبياء والمجاهدين شديدة جدا ”النشر بمناشير الحديد والغلي بالزيت المغلي الخ“
والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وقوله حق مطلق ،فإذن لا شك أن بلاؤه أشد منهم ، الجواب على هذا هو في نوعية البلاء وليس في كميته ودرجة قسوته .

البلاء أنواع ، وهذه بعض أنواعه:


• البلاء في الجسد كالتعذيب وما شابه
• البلاء في الحرمان من الحرية كالسجن وامثاله
• البلاء في الرزق
• البلاء في الخوف والجوع الخ
هذه الأنواع يمكن أن يصمد فيها الإنسان بسهولة لأنها محسوسة ،وحتى لو اضطر إلى التنازلات  فهو يقدمها دون أن يتنازل داخلياً، لكن هناك بلاء من نوع خاص ينهزم فيه معظم الناس ولا يثبت فيه إلا القليل وعلى رأسهم الرسل وأولو العزم منهم خصوصاً ،وهو الابتلاء بالتيئيس، وهذا الذي انهزم أمامه كثير وكثير من الدعاة الذين حرموا نعمة طول النفس ،ولذلك الذي يبتلى بالتيئيس قد لا يتراجع ظاهرياً فحسب بل يتراجع كلياً وذهنياً.
ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: "والعصر ان الانسان لفي خسر" فلا يكفي أن تؤمن وتعمل بما تؤمن به وتدعو إليه ،بل يجب أن تصبر وتتصابر في دعوتك،  ويقول سبحانه وتعالى أيضا: "اصبروا وصابروا ورابطوا"
هذا النبي صلى الله عليه وسلم مؤيد بالوحي، وهو أفصح العرب الصادق الامين أوسط قريش نسباً،وهو من هو في العقل والإخلاق والهيبة، ومع ذلك تمضي عشر سنوات لا يتبعه إلا بضع عشرات من الناس، والوفود في الحج يطردونه ويقولون قومه أعرف به، يتوجه للطائف فيهينونه ويغرون به سفهاءهم وصبيانهم، ثم حدث له موقف أثبت حقاً  أنه من أولي العزم وأنه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم لأنه دعا الله سبحانه وتعالى بدعاء ،ولو أن الرواية فيها ضعف ،لكن الدعاء جميل وفيه البلاغة التي على الارجح أن تكون بلاغة النبوة:
"اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني ؟ أو إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك ،لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك"
.وفي الصحيحين عن عائشة قالت يا رسول الله ! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال ( لقد لقيت من قومك . وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة . إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال . فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب . فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني . فنظرت فإذا فيها جبريل . فناداني . فقال : إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك . وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال : فناداني ملك الجبال وسلم علي . ثم قال : يا محمد ! إن الله قد سمع قول قومك لك . وأنا ملك الجبال . وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك . فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ) . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، لا يشرك به شيئا ). فهذا طول نفس من النبي صلى الله عليه وسلم حتى يخرج الله من أصلابهم جيل آخر يؤمن بالله.
وسيدنا موسى بعد نجاته من فرعون يقول : ”رب إني لما انزلت إليّ من خير فقير“
وقبله نوح عاش 950 سنة يُقال إن كل جيل يوصي الذي بعده بعدم الاستجابة لنوح فأغرق الله الكرة الارضية كلها من أجله، فإذن الابتلاء بالتيئيس يختلف عن نماذج الابتلاء الأخرى.
لاحظ النماذج التي صمدت في السجن صمدت في التعذيب ، صمدت من الفصل من الوظيفة صمدت من مصادرة الأموال ، لكن لم تصمد أمام التيئيس أو طول الانتظار، بل انتكسوا واصبحوا خداماً للظالم وانقلبوا انقلاباً حقيقياً وليس فقط تحولاً ظاهرياً للخلاص من الضغط.
وهناك ظاهرة سبق وأن ذكرناها ،وهي ظاهرة الضحية والجلاد ،ومنها مثلا ظاهرة الخطف ،وقد درست بعناية ولوحظ فيها الآتي:
 تمر العلاقة بينهما بالمراحل الأتية :مرحلة الصدمة والخوف، ثم مرحلة الرغبة في الهرب،ثم مرحلة الرغبة بالانتقام،ثم مرحلة القبول بالواقع،ثم مرحلة الإعجاب بالخاطف،ثم مرحلة الخضوع للخاطف،ثم مرحلة عشق الخاطف ، ولو طبقتم هذه الظاهرة على قياداتنا الفكرية والصحوية لرأيتم تفصيل ذلك.
فإذن الابتلاء بالتيئيس هو من جنس ابتلاء الأنبياء ،وغالباً ما يصيب الدعاة المحاربين للطغاة وعلامة النجاة منه هي التالي:
• أولاً: الإصرار على نفس الرسالة ،ولا يغير الإنسان مواقفه من الأمور الاخرى وخاصة الحاكم
• ثانياً: التمسك بنفس المنهج، فلا يتغير المنهج بضعفك أو قوتك، وإنما يمكن تغيير التكتيك
• ثالثاً: المحافظة على نفس الوتيرة والحماس أو أقوى